top of page

أربع نساء وحديث محظور

كانت أمسية دافئة في مقهى صغير، زاوية دافئة في وسط المدينة. كان صوت الأكواب وهي تصطدم بالأطباق، وهمس المحادثات الجانبية، يشكلان لحنًا ناعمًا في الأجواء. أربع نساء، يبدون مختلفات تمامًا، لكنهن وجدن أنفسهن في هذا المكان بفعل سحر الصدف. وبدأن الحديث عن أمر نادرًا ما تجرأن على مشاركته: علاقتهن بالجنس.


كانت كلارا أول من تحدثت، امرأة في الخامسة والأربعين من عمرها، بدت كما لو أنها تشبه قهوتها، دافئة ولكنها غير مشتعلة. كانت متزوجة منذ عقدين من ريكاردو، رجل تتقاسم معه منزلًا، لكنه أصبح تدريجيًا مجرد ظل لما كان يومًا شريكها في الشغف.


— لا أعرف بشأنكن، لكنني أعتقد أن الشغف لا يدوم إلى الأبد — قالت، وهي تحدق في رغوة قهوتها بتعبير شارد، وكأنها تبحث عن إجابة هناك. — في البداية، كان كل شيء نارًا، إثارة الممنوع، المفاجأة... ولكن مع مرور السنوات، تحوّل إلى روتين. الشغف يتلاشى بين طيات الفراش، وما يتبقى هو الراحة. أتساءل، هل هذا ما نريده حقًا؟


نظرت إليها لوسيا، شابة في الثالثة والعشرين من عمرها، بطاقة مشرقة كفصل الربيع، دون أن تحكم عليها. كانت عيناها تلمعان بمزيج من الفضول والجرأة. كانت قد سلمت نفسها للحرية، استكشفت، وسمحت لنفسها بتجربة الحياة دون أن تفكر في الحدود التي يفرضها الآخرون.


— القبول بالأمر الواقع؟ أبدًا. الجنس يُعاش، يُشعَر به بلا خوف أو ذنب. أستمتع به بلا قيود، بلا تعقيدات. اليوم مع شخص، وغدًا مع آخر... وماذا في ذلك؟ المهم هو أن يجعلني أشعر بالحياة. لست ممن يرضون بالروتين، كلارا. لا ينبغي ترويض الرغبة.


نظرت إليها كلارا بمزيج من الإعجاب والارتباك، وزفرة خفيفة خرجت من شفتيها. قبل أن تتمكن من استيعاب كلماتها، قطعت ماريانا، ذات الخمسة والثلاثين عامًا، الصمت. كانت تحمل نظرة من رأت ما وراء الأضواء الساطعة والوعود الفارغة. رغبتها، ليس فقط في الحياة ولكن أيضًا في اللذة، بدت بلا نهاية.


— وماذا لو استمتعتِ أكثر من اللازم؟ — سألت بصوت متعب، كما لو كانت تكرر سؤالًا ظل يطاردها طويلًا. — لقد جربت كل شيء: علاقات طويلة، مغامرات قصيرة، لقاءات عابرة... لكن لا شيء يشبعني تمامًا. دائمًا أريد المزيد، دائمًا أبحث عن شيء يملأني، لكنني لا أجد ما يكفي أبدًا.


نظرت إليها لوسيا بتعاطف وفضول. بينما ضيّقت كلارا عينيها، كان من الواضح أن بحث ماريانا لم يكن مجرد بحث جسدي، بل كان عطشًا داخليًا لا ينطفئ. حينها، تحدثت الأخت تيريزا، المرأة الأكثر صمتًا بينهن، للمرة الأولى.


كانت ترتدي حلة بسيطة لكنها متقنة، بهدوء يختلف عن الشغف الذي يفيض حولها. كان صوتها ناعمًا لكنه ثابت، ذكّر الجميع بأن الحياة ليست كلها محكومة بالرغبة الجسدية.


— الرغبة أمر طبيعي — قالت بلطف، ناظرة إلى كل واحدة منهن. — لكن كذلك هو البحث عن شيء يتجاوز الجسد. اخترت طريقًا مختلفًا، طريق التفاني. ليس لأنني أحتقر الجنس، بل لأنني وجدت إشباعًا في شيء آخر: في العطاء، في الروحانية. في الحب الذي لا يُقاس بالجسد.


ضحكت ماريانا ضحكة قصيرة، تكاد تكون ساخرة.


— وهل لم تشعري بالإغراء أبدًا؟ — سألت بابتسامة ساخرة، وكأن الإجابة عن هذا السؤال قد تكون مفتاح كل شيء.


نظرت إليها الأخت تيريزا مباشرة في عينيها، دون أن تحيد بنظرها، وكأنها ترى روحها.


— بالطبع شعرت بذلك. كوني راهبة لا يجعلني أقل إنسانية. لكنني تعلمت أن الرغبة يمكن أن تتحول، لا تضيع، بل تُوجَّه. يمكن أن تصبح حبًا، يمكن أن تكون رحمة، يمكن أن تكون نوعًا أعمق من العطاء. لا أقول إن طريقي هو الصحيح للجميع، لكنه كان كافيًا بالنسبة لي.


وضعت لوسيا مرفقها على الطاولة، ونظرت إلى الأخت تيريزا بدهشة.


— من الغريب كيف أننا جميعًا نبحث عن الشيء نفسه، ولكن بطرق مختلفة جدًا. كلارا تبحث عن الشغف في زواجها، أنا في الحرية، ماريانا في الإشباع المستمر... وأنتِ في الإيمان.


أومأت كلارا برأسها ببطء، لكن عينيها عكستا صراعًا داخليًا، وكأن كلمات الأخت تيريزا كانت تتردد في ركن ما من عقلها.


— ربما الإجابة ليست واحدة. ربما لا يتعلق الجنس فقط باللذة، بل بالمعنى. ماذا يمثل لكل واحدة منا؟ أي فراغ نحاول أن نملأ؟


صمتت ماريانا للحظة، تلعب بحافة كوبها. لم تكن امرأة تسكت بسهولة، لكن شيئًا ما في كلمات كلارا مسّ وترًا حساسًا داخلها.


— أو ربما... — بدأت تقول، لكنها لم تكمل. ساد الصمت على الطاولة. كانت كلارا، ولوسيا، والأخت تيريزا ينظرن إليها، بانتظار أن تضيف شيئًا آخر. أخذت ماريانا نفسًا عميقًا. — ربما تكون الإجابة هي أنني لم أبحث يومًا عن شيء في الآخرين، بل في نفسي. ربما لن أجد أبدًا ما أبحث عنه، لأنني لم أتعلم أبدًا أن أبحث عن ذاتي.


نظرت إليها النساء الثلاث بصمت، يتبادلن فهمًا عميقًا دون كلمات.


استمرت المحادثة، لكنها لم تعد كما كانت. لم تبقَ الكلمات على السطح، بل بدأت تحفر أعمق، تلامس جوانب في نفوسهن لم يدركن وجودها من قبل. وفي نهاية المساء، نهضت كل واحدة منهن من الطاولة وهي تحمل في قلبها فكرة جديدة، مدركة أن الجنس، والرغبة، والإيمان، والحب، جميعها واسعة بقدر الحياة ذاتها. وأن كل واحدة، بطريقتها الفريدة، ستواصل البحث عن طريقها الخاص.



الخاتمة


مثل القهوة التي تشاركنها، بردت المحادثة مع مرور الوقت، لكن التأمل الذي خلفته كان أكثر دفئًا من أي مشروب. هذه القصة، كما هو الحال مع جميع القصص الأدبية، لا تملك نهاية مغلقة ولا إجابة مطلقة. كل امرأة تواصل رحلتها، وربما لن يصلن أبدًا إلى نفس الوجهة. لكن على الأقل تجرأن على البحث والتساؤل، وهذا هو ما يجعلهن، في النهاية، حرات.


الخاتمة الأدبية


هذه القصة، مثل غيرها، تسعى إلى فتح أبواب التأمل دون تقديم إجابات نهائية. لا تهدف إلى الحكم أو فرض رؤية واحدة، بل إلى استكشاف تعقيدات الجنس، والرغبة، والهوية من زوايا مختلفة. إنها سرد أدبي، مساحة للتساؤل وتحدي القواعد المسبقة، ودعوة لكل قارئ للتفكير في علاقته الخاصة بهذه القضايا. في عالم الأدب، لا تسعى القصص إلى أن تكون قوانين مطلقة، بل إلى إثارة الأفكار والمشاعر التي تمكننا من فهم تعددية الواقع الإنساني. هذه مجرد قراءة واحدة من بين قراءات كثيرة ممكنة، وكما هي الحياة نفسها، لا تمتلك نهاية مغلقة.

 
 
 

Comments


لكن يجب أن نتذكر في الحياة أن هناك إيجابيًا لكل سلبي وسلبيًا لكل إيجابي. آن هاثاوي

إلى حيث تذهب انتباهك، تتدفق الطاقة. توني روبينز

ما لا يقتلك، يجعلك أقوى. بينما يبكي البعض، يبيع الآخرون المناديل. يا الله، ضع كلماتك في فمي. لا تصنف كأس العالم، افز بكأس العالم. راديو النجاح أو راديو البؤس. قاوم إغراء العودة إلى الراحة وسرعان ما سترى الثمار. مارغريتا باسوس، مدربة Fortune 500

جميعنا متساوون كأرواح، لكننا لسنا متساوين في السوق. جيم رون

القادة الذين يقدرون موظفيهم يمكِّنونهم. جون ماكسويل

ابقِ قلبك مفتوحًا. نحن مبرمجون للعثور على الحب. هيلين فيشر

بما أن الإنسان يسقط، فإنه يتغلب. الاستويين

أتمنى لك يومًا سعيدًا جدًا :)

سانتياغو دي شيلي

bottom of page