الغيرة: حماية طبيعية أم سيطرة مدمرة في العلاقات

الرابط الذي يحمي: الغيرة كحارس للحب

عاشت لوسيا وماركوس علاقة مستقرة لعدة سنوات. كانت الثقة متبادلة بينهما، وارتبطا بعلاقة متينة قائمة على التواصل المفتوح والاحترام المتبادل. في يوم ما، خلال حفلة مع الأصدقاء، لاحظت لوسيا أن ماركوس يتحدث بحماس مع صديقة لم يرها منذ فترة طويلة. ورغم أنها كانت تحب رؤية ماركوس يتواصل مع أصدقائه ولم تشعر بالغيرة تجاه علاقاته مع الآخرين، إلا أن شعورًا طفيفًا من عدم الارتياح دب في داخلها. لم يكن هذا الشعور بسبب عدم الثقة، بل كان أقرب إلى قلق خفيف بشأن العلاقة التي بنوها معًا، ورغبة في حماية ما أنجزوه.

اقتربت لوسيا من ماركوس بهدوء وقالت: "أشعر ببعض عدم الأمان عندما أراك قريبًا منها. ليس لأنني لا أثق بك، بل أردت فقط أن أذكرك بمدى أهميتك بالنسبة لي." ابتسم ماركوس عند سماعها، واحتضنها قائلاً: "أنا أفهمك وأقدر أنك أخبرتني. أحبك وما بيننا شيء فريد. أقدر صراحتك."

في هذا المثال، لم تنبع غيرة لوسيا من نقص في الثقة أو رغبة في السيطرة على ماركوس، بل من حاجة وقائية لحماية الرابط الذي يجمعهما. كانت مشاعرها صحية، نشأت في سياق الحب والالتزام، واستُخدمت كفرصة لتأكيد الاحترام والتواصل بينهما.

تُعتبر الغيرة الطبيعية ذات جذور تطورية؛ فهي عاطفة وقائية ساعدت الناس عبر التاريخ على الحفاظ على روابطهم العاطفية الوثيقة، والتي كانت أساسية للبقاء والرفاهية العاطفية. الغيرة الصحية هي طريقة للدفاع عن ما نقدره، وهي آلية تكيفية تنشط عندما نشعر بتهديد لعلاقاتنا القريبة.

-> "الغيرة الصحية هي عاطفة طبيعية في العلاقات العميقة. عندما تنبع من الحب والاحترام، فإنها تعزز أهمية العلاقة وتحميها من التهديدات الخارجية المحتملة. الحديث عنها بشكل صريح يمكن أن يقوي العلاقة ويحافظ على متانتها."

الخوف الذي يسيطر: كيف تدمر الغيرة المدمرة العلاقات

كان كارلوس ولورا في علاقة استمرت لمدة عام، وعلى الرغم من أن الأمور بدت مثالية في البداية، إلا أن كارلوس بدأ مع مرور الوقت في إظهار علامات انعدام الأمان والسيطرة على لورا. في البداية، كانت الأمور بسيطة، مثل السؤال المتكرر عن مكان وجودها أو مع من تقضي وقتها. ومع ذلك، أصبحت غيرته أكثر وضوحًا عندما قررت لورا الذهاب إلى عشاء مع مجموعة من الأصدقاء، بينهم رجال تعرفهم قبل علاقتها بكارلوس.

في تلك الليلة، لم يتوقف كارلوس عن إرسال الرسائل لها، يسألها إذا ما كانت مع شخص آخر أو إذا كانت تشعر بانجذاب لأحدهم. وعندما عادت لورا إلى المنزل، كان ينتظرها بنظرة توحي بالشك. سألها بصوت مليء باللوم: "هل استمتعتِ كثيرًا معهم؟ هل أعجبك أحدهم؟"

تفاجأت لورا وشعرت بالإرهاق من أسئلته المتكررة، وحاولت أن تشرح له أنه لا داعي للقلق، لكنه لم يستطع أن يهدأ. قال: "لا يهمني ما تقولين، أشعر بعدم الأمان عندما لا تكونين بجانبي. لا أستطيع السماح للآخرين بالاقتراب منك." لم يكن قلقه مبنيًا على مصلحة العلاقة، بل كان نابعًا من سيطرة وخوف غير عقلاني من فقدانها.

في هذه الحالة، كانت غيرة كارلوس مرضية. لم تكن عاطفة طبيعية للحماية، بل انعدام أمان قاده لمحاولة السيطرة على كل تحركات لورا، وهو ما انعكس في مراقبته المستمرة لها. لم تضر هذه الغيرة العلاقة فقط، بل أثرت أيضًا على حرية لورا واستقلاليتها. الغيرة المرضية لا تأتي من مكان حب، بل من خوف وسيطرة، وبمرور الوقت بدأت هذه الديناميكية السامة في تدمير العلاقة.

على عكس الغيرة الصحية، لا تمتلك الغيرة المرضية أساسًا تطوريًا إيجابيًا. بدلاً من حماية العلاقة، تسعى إلى السيطرة على الشريك، مما يقوض الثقة ويخلق بيئة سامة. هذه الغيرة مدمرة لأنها مدفوعة بخوف غير منطقي وغير قائم على الواقع، بل على حاجة للسيطرة وامتلاك الشخص الآخر.

-> "الغيرة المرضية مدمرة لأنها تقوم على الخوف وعدم الثقة والسيطرة. بدلاً من حماية العلاقة، تضعفها. العلاقة الصحية تبنى على الثقة والاحترام والاستقلالية، ولا مكان فيها للسيطرة أو الخوف المستمر."

مقارنة بين الغيرة الصحية والمدمرة:

الغيرة هي عاطفة طبيعية بشرية قد تظهر في أي علاقة، لكن شكلها والطريقة التي تُدار بها هما العاملان الأساسيان في تحديد ما إذا كانت صحية أم مدمرة.

في حالة لوسيا وماركوس، كانت الغيرة إشارة إلى المودة ورغبة في حماية ما بنوه. كانت فرصة لتأكيد الحب والالتزام المتبادل، وإدارتها بشكل مفتوح وصريح عززت العلاقة. هذه الغيرة صحية لأنها مبنية على الثقة والاحترام، ولا تهدف إلى السيطرة أو فرض انعدام الأمان. بالإضافة إلى ذلك، لها جذور تطورية كعاطفة وقائية ساعدت البشر على الحفاظ على روابطهم القريبة.

على النقيض من ذلك، لم تنبع غيرة كارلوس من مكان حماية، بل من سيطرة وخوف. من خلال تساؤلاته المستمرة وعدم ثقته، أضر بحرية لورا والعلاقة نفسها. الغيرة المرضية لا تمتلك أساسًا تطوريًا إيجابيًا؛ بل هي نتيجة لانعدام الأمان العميق الذي يشوه الواقع ويضعف العلاقة.

الغيرة الصحية هي عاطفة وقائية تساعد في الحفاظ على الروابط العاطفية الوثيقة عند الشعور بتهديد. ومع ذلك، يجب التعامل معها بتواصل وثقة. أما عندما تتحول هذه العاطفة إلى شكل من أشكال السيطرة أو انعدام الثقة المستمر، فإنها تصبح مرضية ومدمرة. السر يكمن في التوازن: الغيرة يجب أن تكون وسيلة لتعزيز العلاقة، وليس لتدميرها.