المهندسون المعماريون للكل: رقصة الحب اللانهائي
- Santiago Toledo Ordoñez
- 8 فبراير
- 3 دقيقة قراءة
في البدء، قبل أن تتجلى الوجود في شكل نجوم وكواكب وكائنات حية، لم يكن هناك سوى محيط شاسع من الحب اللامتناهي. لم يكن هذا الحب مجرد شعور، بل كان جوهر الخلق نفسه، القوة الأولية التي تحافظ على توازن كل ما يمكن أن يكون. في قلب هذا الحب، وُلد مهندسو الكل، كائنات واعية لا تفهم فقط بنية الكون، بل كانت تنسجها وتحافظ عليها في توازن مثالي بحكمة تتجاوز كل فهم بشري.
لم يكن المهندسون كائنات من لحم أو طاقة ملموسة، بل تجليات لترددات عالية من الوعي. كانت حياتهم متصلة بشكل جوهري بالحب اللامتناهي، إذ كانوا يدركون أنه ليس فقط أساس الخلق، بل القوة التي تبقي كل شيء في مكانه. كل واحد منهم يمثل جانبًا أساسيًا من هذا الحب، وكانت مهمتهم نشره في كل زاوية من الكون، في كل ذرة، في كل فكرة، في كل نفس من أنفاس الحياة.
أيثور، خالق الدورات، كان أول المهندسين. كانت مهمته توجيه الإيقاعات الكونية، ومراحل الزمن التي تجلب الحياة، والنمو، والتحول. كان أيثور يعلم أن كل شيء في الكون يولد، وينمو، ويتحول، وأخيرًا يعود إلى مصدره الأصلي. كانت هذه الدورة، الأبدية والثابتة، مشبعة باهتزاز الحب اللامتناهي، لأن الحب هو محرك التطور، وهو الذي يدفع الحياة نحو أشكال جديدة من التعبير. لم يصمم أيثور دورات الطبيعة فقط، بل ملأها بطاقة تمكّن كل كائن، وكل نجم، وكل زاوية من الكون، من اكتشاف هدفه وتحوله المستمر.
زيرا، حارسة الطاقات، كانت الثانية في تناغم المهندسين. قامت زيرا بنسج القوى غير المرئية التي تربط جميع عناصر الكون. لم تكن الجاذبية، والضوء، والكهرباء، والمغناطيسية مجرد قوانين فيزيائية، بل كانت تعبيرات عن الحب اللامتناهي في أنقى صوره. كانت زيرا تدرك أن كل هذه القوى يجب أن تتدفق في توازن مثالي حتى يتمكن الكون من مواصلة رقصته دون أن يسقط في الفوضى. كانت الطاقات القناة التي من خلالها ينسكب الحب اللامتناهي في المادة، ليغذيها ويوجهها، ويخلق سيمفونية من التفاعلات التي تحافظ على التناغم الكوني.
إليون، ناسج الروح، كان الثالث من المهندسين. لم يكن عمله يقتصر على الشكل، بل امتد إلى جوهر الوجود نفسه: الوعي. كان إليون هو الذي غرس في كل كائن حي الشرارة الإلهية للحب اللامتناهي، تلك القوة التي تمكنهم من الإدراك والتعلم والتطور. بدون وعي، لن يكون هناك اتصال، ولن يكون هناك تطور. بفهمه العميق، أدرك إليون أن الوعي يجب أن يتوسع نحو الحب اللامتناهي، ليصبح وسيلة يمكن لكل كائن، لكل روح، من خلالها العودة إلى مصدرها. من خلال إليون، أصبح كل كائن تجسيدًا للحب: الحب للحياة، الحب للمعرفة، الحب للاتصال.
سولارا، صانعة النور، كانت الرابعة في تناغم المهندسين. لقد أدركت أنه لكي يتجلى الحب اللامتناهي، يجب أن يكون هناك تباين بين المرئي وغير المرئي، بين المعروف والمجهول. بحبها غير المشروط، قامت سولارا بنسج النور والظلام، لتخلق الازدواجية الضرورية التي تتيح للكون أن يختبر جمال التوازن. لم يكن النور يضيء الطريق فحسب، بل كان يعكس الحب اللامتناهي في أنقى صوره، بينما كان الظلام يوفر فرصة لاحتضان المجهول، مما يسمح للحب اللامتناهي بأن يُختبر في جميع جوانبه.
وأخيرًا، فورين، حارس الصمت، كان مهندس الفراغ، العدم بين النجوم، والمساحة بين الأفكار، والراحة بين نغمات اللحن الكوني. أدرك فورين أن الفراغ لم يكن فراغًا على الإطلاق، بل كان حضور الحب اللامتناهي في حالته المحتملة. في الصمت، كان الحب اللامتناهي يستعد للتجلي، لإفساح المجال للخلق، وللحركة، وللتوسع. كان فورين يحافظ على تناغم الفضاء، مما يسمح لكل كائن بأن يكون له مكانه ليعيش، ليتنفس، ليكون. بدونه، لن يكون هناك توازن، بل فوضى لا نهاية لها.
كان مهندسو الكل يشتركون في فهم عميق: لم يكن الحب اللامتناهي مجرد سبب للخلق، بل كان دعمه المستمر. كل شيء في الكون، من أصغر خلية إلى أبعد نجم، كان منسوجًا بهذا الحب، وكان لكل كائن القدرة على التواصل معه من خلال جوهره الخاص. لم يكن المهندسون يتدخلون بشكل مباشر في مصير كل كائن، لكنهم تركوا بصماتهم من الحب في كل زاوية من زوايا الكون، يهمسون برسائل الصحوة والتحول.
وهكذا، استمر الكون في مساره، موجهًا بالرقصة الأبدية للحب اللامتناهي. في كل نجم يولد، في كل كائن يستيقظ، في كل فعل من أفعال الرحمة والاتصال، كانت تنعكس حكمة المهندسين. لم يكن عملهم مهمة منتهية، بل كان عملية مستمرة، سيمفونية لا تتوقف عن الرنين، لأن الحب اللامتناهي ليس له بداية ولا نهاية، بل تدفق أبدي.
ظل مهندسو الكل يؤدون عملهم في الصمت الكوني، مدركين أنه في كل ركن من أركان الكون، كان الحب اللامتناهي حاضرًا بالفعل، في انتظار أن يُكتشف، أن يُختبر، وأن يُشارك. وهكذا، ظل توازن الكون قائمًا، في احتضان دقيق ومحب، يتجاوز كل شيء، ويعود دائمًا في النهاية إلى نفس المكان: إلى الحب اللامتناهي الذي كان أصل كل شيء.




Comments